القصة..........
يعيشُ معتز في أحد أحياء المدينة التي تعج بالسكان، وتملؤها الضوضاء، بعد أن كان يعيش في قرية هادئه، لكنـه اضطـر إلى السفـر لـتلك المدينة من أجل العمـل.
معتز وهو رجل طويل القامة نحيل الجسم أسمـر البشرة تظهر على وجهه علامات الشيخوخة المبكره بالرغم من أن عمره لم يتجاوز الثامنة والعشرين، لكـن هموم ومشاكل الحياة تميزت على وجهه، فأعطته عمراً غير عمره. يعشق سماع الأغاني الحزينة وتكوين العلاقات الاجتماعية مع الجميـع , لم يتذمر من أحد كما لم يزعل أو يغضب أحدٌ منه , جيرانه في بعض الأحيان بتناسون أسمه وينادونه بصاحب القامة الطويلة نظراً لطوله الكبير جداً , لا يحب الجلوس وحده أو محاكاة القمر .
في أحد الأيام شعر برغبة للحديث إلى أحد ما . فقرر النزول من بيته ليتحدث إلى جاره الذي يسكن في الطابق السفلي، وحينما قرع جرس الباب وسلّم على جاره، قال له: هل أستطيع التحدث إليك لبرهة من الوقت ؟ فأجابه جاره: بأنه لا يملك الوقت الكافي ليستمع إليه . خرج مكسور الخاطر لِمَ حصلَ , لكنـه لم ييأس أبداً .
بالقرب من بيته توجد قهوة يجتمع بِها بعض من معارفه، فقرر أن يتجه إليها، شاهد أحد الأشخاص الذي يعرفهم، كان هذا جاره أحمد، ذهب وألقى التحية إليه وهمَّ بالجلوس، ولكنّه تفاجأ بأن أحمد قرر الانصـراف، أوقف معتز أحمد وقال له: هل بإمكانك أن تجلس معي لبعض الوقت؟ أريد أن أتكلم معكَ قليلاً. أجابه أحمد: بأن هناك من ينتظره، ولا يستطيع الجلوس معه.
انصرف أحمد وبقى معتز جالساً وحده يناظر الوجوه التي تدخل وتخرج
عسى أن يجد من يعرفه، لكن دون جدوى تُذكر، حسرة بالقلب ودمعة كادت تحرق مقليته لم يستطع إنزالها خشية أن يراه أحــد , لم يـعـد يعرف إلى أين يذهب أو يتجه فالطريق المجهول ما زال أمامه , قرر أن يمشي ويمشي إلى أن تتعب قدماه.
بينما هو شارد بفكره سارح بأمره، استوقفه صوتٌ ليس بغريب عنه أبداً، إنه بائع الخضار، فرح بداخله أن هناك من نادى عليه، قرر أن يحدثه مباشرة من غير أن يستأذنه، قطع حبل أفكاره بائع الخضار حينما سأله عن الوقت، فأجابَ معتز والفرحه تملأ وجهه، ولكن سرعان ما ماتت الفرحة عندما غادر بائع الخضار المكان، ولم يعقب على صوت معتز الذي يناديه , بقى وحده وخيبة الأمـل تخنقه شيئاً فشيئاً .
شئٌ ما بداخله انـهار، انكــسر، تحطــم، لم تعد لدية رغبة بالاستمرار بالمشي أبداً , قرر أن يستوقف سيارة أجرة، فقال في نفسه: لربمــا سيكون السائق مجبراً ليستمع إليّ، فهو يريد أن يكسب رزقه وسوف يتحملني.
أوقف سيارة الأجرة وركب فيها، وتحركَ السائق، ازداد خفقان قلبه وعلامات الأرتباك ظاهره على محياه , بينما هو في حلمه الوردي لاحظ أن السائق قد مدّ إليــه ورقة، استغرب من ذاك التصـرف أخذ الورقة والفضول يكاد يقتله لمعرفة ما بهذه الورقة، وهل يا تُرى موجهة له بالذات، شعر برعشة بجسده لم يعهدها من قبل، نظر إليه السائق مبتسماً ينتظرُ منه أن يطالع الورقة ..
ألقى نظرة على الورقــة، ومن ثم أخرج من جيب جاكيته قلماً وكتب على ظهر الورقة شيئاً ما وأعطاها للسائق.
توقفت السيارة ونزل معتز وهو يتمتم، حتى السائق أصم، أي سوء حظ يرافقني اليومـ ..
رجعَ إلى بيته منهار القوى تسري بجسده روح يملؤها اليأس والإحباط ... أطفأ أنوار البيت جميعها .. وأشعل شمعةً وجلس بجوارها .. بينما هو جالس طُرق الباب، فإذا هو محصّـل الكهرباء، فسأله المحصل: لماذا الأنوار مطفأة جميعها، هل من خللٍ ما أم أن التيار قد قطع عندك ؟
فأجابه: اليومـ عيد ميلادي، ولم أجـد من يطفئ معي الشمعة .. فقال له المحصـل: أعتذر منك كان بودي الجلوس وإطفاء الشمعة معك، ولكــن لدي عمل يجب أن أنهيه ...
نام على خبيات الأمل ... وتغطى باليأس ..
وفي صباح اليومـ التالي ذهبَ إلى عمله نشيطاً كعادته دوماً .. جلس لجوار نافذة مكتبه يرتشف القهوه التي يحبها أن تكن سادة كما هي حياته ... طرق باب المكتب الذي لم يشاهده أحد من قبل قد أُغلقَ ولو لمرة واحدةً .. إنه المستخدم مجدي: تفضل مجدي! دخل مجدي وقال أن المدير يريد أن تأتيَ إلى مكتبه، وأنصــرفَ ..
استغرب معتز، لم يعهد من قبل أن يطلبه المدير في مثل هذا الوقت المبكــر .. قال لنفسه لعلَ مشكلةً ما حدثت .. ذهب مسرعاً إلى مكتب المدير، طرق الباب ودخل إليه كالعادة مبتسماً، بادله المدير نفس الابتسامة التي زرعت أملاً بنفسه، وهدأت من خوفه، دعاه المدير للجلوس .. جلسَ، وعلامات الاستفهام تتلاحق في خياله: يا ترى لماذا أنا هنـا ؟ ما السبب؟ ما الدافع ؟.. كلها أسئله تتلاحق وراء بعضها البعض، ترجو الأجابه بسرعة ..
قطع الصمت صوت المدير الذي قال: يا معتز أنت مثال الموظف المجد المجتهد بعملك، والمخلص له، والكل يحترمكَ ويقدركَ .. لذا قررت إدارة الشركة صرف مكافأة ماليـة لكَ مقابل تميزكَ في الشركة، فرح معتــز لـِمـَ سمعَ من إطراء، وفرحَ أيضاً بالمكافأة، شكر المدير وانصـرف إلى مكتبه.
انتهى الداوم الرسمي والجميع غادر، في العادة كان معتز يخرج آخر شخص من الشركه، هكذا اعتادَ .. لكـن هذه المرة تأخر أكثر من أي يوم، كان سارحاً بأمره ماذا سيفعل بالمبلغ الذي حصلَ عليه، وكيف سينفقه؟
جاء إليـه مجدي وقال له: إننا نريد أن نغلق أبواب الشركة، خرج من مكتبه بعد أن لملمـَ أوراقه ورتبها ... مشى بالشارع لا يدري إلى أين يذهب، فما زال الأمسُ يوماً لا يُنسى بالنسبة له ..
قرر أن يذهب إلى طبيب نفسى يجلس معه ساعة كل يوم بمقدار المكافأه التي مُنحها، من أجل أن يجد شخصاً يحدثه ويستمع إليــه.